فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهكذا نعلم أن الفعل قسمان: إما قول؛ وإما فعل.
والصَّدِّيق هو الذي يصدُق في قوله، بأن تطابق النسبة الكلامية الواقع، وصادق في فعله بألاَّ يقول ما لا يفعل.
ولذلك قال الحق سبحانه: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
ونعلم أن ساقي الملك كانت له مع يوسف تجربتان:
التجربة الأولى: تجربة مُعَايشته في السجن هو وزميله الخباز، وقولهما له: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} [يوسف: 36].
وكان قولهما هذا هو حيثية سؤالهم له أن يُؤوِّل لهما الرؤييين: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إني أراني أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخر إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطير مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} [يوسف: 36].
والتجربة الثانية: هي مجيء واقع حركة الحياة بعد ذلك مطابقًا لتأويله للرؤييين. ولذلك يقول له هنا: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 46].
أي: أفتِنَا في رُؤيا سبع بقرات سِمَان؛ يأكلهن سبعُ بقرات شديد الهُزَال، وسبع سُنْبلات خُضْر، وسبع أُخر يابسات، لَعلِّي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون.
وقوله: {أَفْتِنَا} [يوسف: 46].
يوضح أنه لا يسأل عن رؤيا تخصُّه؛ بل هي تخص رائيًا لم يُحدده، وإنْ كنا قد عرفنا أنها رُؤيا الملك.
وقوله: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} [يوسف: 46].
هو تحرُّز واحتياط في قضية لا يجزم بها؛ وهو احتياط في واقع قدر الله مع الإنسان، والسائل قد أخذ أسلوب الاحتياط؛ ليخرجه من أن يكون كاذبًا، فهو يعلم أن أمر عودته ليس في يده؛ ولذلك يُعلمنا الله: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْئ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} [الكهف: 23- 24].
وساعة تقول: إن شاء الله تكون قد أخرجتَ نفسك من دائرة الكذب؛ وما دُمْتَ قد ذكرتَ الله فهو سبحانه قادر على أن يَهديك إلى الاختيار المناسب في كل أمر تواجه فيه الاختيار.
فكأن الله يُعلِّم عباده أن يحافظوا على أنفسهم، بأن يكونوا صادقين في أقوالهم وأفعالهم؛ لأنك مهما خططتَ فأنت تخطط بعقل موهوب لك من الله؛ وحين تُقدِم على أيِّ فعل؛ فأيُّ فعل مهما صَغُر يحتاج إلى عوامل متعددة وكثيرَة، لا تملك منها شيئًا؛ لذلك فعليك أنْ تردَّ كلَّ شيء إلى مَنْ يملكه.
وهنا قال الساقي: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} [يوسف: 46].
وبذلك يُعلِّمنا الحق سبحانه الاحتياط.
وأضاف الحق سبحانه على لسان الرجل: {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 46].
وكأن الرجل قد عرف أنه حين يأخذ التأويل من يوسف عليه السلام؛ ويعود به إلى الناس؛ فهو لا يعلم كيف يستقبلون هذا التأويل؟
أيستقبلونه بالقبول، أم بالمُحاجَّة فيه؟ أو يستقبلون التأويل بتصديق، ويعلمون قَدْرك ومنزلتك يا يوسف؛ فيُخلِّصوك مما أنت فيه من بلاء السجن.
وقوله تعالى: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس....} [يوسف: 46].
قد يدفع سائلًا أن يقول: مَنِ الذي كلَّف الساقي بالذَّهاب إلى يوسف؛ أهو الملك أم الحاشية؟
ونقول: لقد نسبها الساقي إلى الكل؛ للاحتياط الأدائي.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {قَالَ تَزْرَعُونَ...}.
وهذه بداية تأويل رُؤْيا الملك.
والدَّأْب معناه: المُواظبة؛ فكأن يوسف عليه السلام قد طلب أن يزرع أهل مصر بدأبٍ وبدون كسل.
ويتابع: {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47].
أي: ما تحصدونه نتيجة الزرع بجِدٍّ واجتهاد؛ فلكم أنْ تأكلوا القليل منه، وتتركوا بقيته محفوظًا في سنَابله.
والحفظ في السنابل يُعلِّمنا قَدْر القرآن، وقدرة مَنْ أنزل القرآن سبحانه، وما آتاه الله جل علاه ليوسف عليه السلام من علم في كل نواحي الحياة، من اقتصاد ومقومات التخزين، وغير ذلك من عطاءات الله، فقد أثبت العلم الحديث أن القمح إذا خُزِّن في سنابله؛ فتلك حماية ووقاية له من السوس.
وبعض العلماء قال في تفسير هذه الآية؛ إن المقصود هو تخزين القمح في سنابله وعيدانه.
وأقول: إن المقصود هو تَرْك القمح في سنابله فقط؛ لأن العيدان هي طعام الحيوانات.
ونحن نعلم أن حبة القمح لها وعاءان؛ وعاء يحميها؛ وهو ينفصل عن القمحة أثناء عملية الدَّرْس؛ ثم يطير أثناء عملية التذرية مُنفصِلًا عن حبوب القمح. ولحبة القمح وعاء ملازم لها، وهو القشرة التي تنفصل عن الحبة حين نطحن القمح، ونسميها الردة وهي نوعان: ردة خشنة وردة ناعمة.
ومن عادة البعض أن يَفصِلوا الدقيق النقي عن الردة، وهؤلاء يتجاهلون أو لا يعرفون الحقيقة العلمية التي أكدت أن تناول الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض الخالي من الردة يصيب المعدة بالتلبُّك. فهذه القشرة الملازمة لحبة القمح ليست لحماية الحبة فقط؛ بل تحتوي على قيمة غذائية كبيرة.
وكان أغنياء الريف في مصر يقومون بتنقية الدقيق المطحون من الردة ويسمُّونه الدقيقة العلامة؛ الذي إنْ وضعت ملعقة منه في فمك؛ تشعر بالتلَبُّك؛ أما إذا وضعت ملعقة من الدقيق الطبيعي الممتزج بما تحتويه الحبة من ردة؛ فلن تشعر بهذا التلبُّك.
ويمتنُّ الله على عباده بذلك في قول الحق: {والحب ذُو العصف والريحان} [الرحمن: 12].
وقد اهتدى علماء هذا العصر إلى القيمة الفاعلة في طَحْن القمح، مع الحفاظ على ما فيه من قشر القمح، وثبت لهم أن مَنْ يتناول الخبز المصنوع من الدقيق النقي للغاية؛ يعاني من ارتباك غذائي يُلجِئه إلى تناول خبز مصنوع من قِشْر القمح فقط، وهو ما يسمى الخبز السِّن؛ ليعوض في غذائه ما فقده من قيمة غذائية.
وهنا يقول الحق سبحانه: {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47].
وهكذا أخبر يوسف الساقي الذي جاء يطلب منه تأويل رُؤْيا الملك؛ بما يجب أن يفعلوه تحسُّبًا للسنوات السبع العجاف التي تلي السبع سنوات المزدهرة بالخُضْرة والعطاء، فلا يأكلوا مِلْء البطون؛ بل يتناولوا من القمح على قَدْر الكفاف: {إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47]. ويتابع الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف عليه السلام من بقية التأويل لحُلْم الملك: {ثُمَّ يَأْتِي مِن...}. وهكذا أوضح يوسف عليه السلام ما سوف يحدث في مصر من جَدْب يستمر سبع سنوات عجاف بعد سبع سنوات من الزرع الذي يتطلب هِمَّة لا تفتر.
وقوله سبحانه في وصف السبع {سنوات} بأنها: {شِدَادٌ..} [يوسف: 48].
يعني: أن الجَدْب فيها سوف يُجهِد الناس؛ فإنْ لم تكُنْ هناك حصيلة تَمَّ تخزينها من محصول السبع السنوات السابقة، فقد تحدُث المجاعة، وليعصم الناسُ بطونهم في السنوات السبع الأولى، وليأكلوا على قَدْر الضرورة؛ ليضمنوا مواجهة سنوات الجَدْب.
ونحن نعلم أن الإنسان يستبقي حياته بالتنفس والطعام والشراب؛ والطعام إنما يَمْري على الإنسان، ويعطيه قوة يواجه بها الحياة.
ولكن أغلب طعامنا لا نهدف منه القوة فقط؛ بل نبغي منه المتعة أيضًا، ولو كان الإنسان يبغي سَدَّ غائلة الجوع فقط، لاكتفى بالطعام المسلوق، أو بالخبز والإدام فقط، لكننا نأكل للاستمتاع.
ويتكلم الحق سبحانه عن ذلك فيقول: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء: 4].
أي: بدون أن يضرك، ودون أن يُلجِئك هذا الطعام إلى المُهْضِمات من العقاقير.
وهذا هو المقصود من قول الحق سبحانه: {هَنِيئًا...} [النساء: 4]، أما المقصود بقوله: {مَّرِيئًا} [النساء: 4].
فهو الطعام الذي يفيد ويمدُّ الجسم بالطاقة فقط؛ وقد لا يُستساغ طعمه.
وهنا قال الحق سبحانه: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48].
وبطبيعة الحال نفهم أن السنوات ليست هي التي تأكل؛ بل البشر الذين يعيشون في تلك السنوات هم الذين يأكلون.
ونحن نفهم ذلك؛ لأننا نعلم أن أي حدث يحتاج لزمان ولمكان؛ ومرة يُنسب الحَدث للزمان؛ ومرة يُنسب الحَدث للمكان.
والمثال على نسبة الحَدث للمكان هو قول الحق سبحانه: {وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا والعير...} [يوسف: 82].
وطبعًا نفهم أن المقصود هو سؤال أهل القرية التي كانوا فيها، وأصحاب القوافل التي كانت معهم.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ نجد الحدث منسوبًا للزمان؛ وهم سيأكلون مما أحصنوا إلا قليلًا؛ لأنهم بعد أن يأكلوا لابد لهم من الاحتفاظ بكمية من الحبوب والبُذُور لاستخدامها كتقاوي في العام التالي لسبع سنوات موصوفة بالجدب.
وقوله تعالى: {مِّمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48].
نجده من مادة حصن وتفيد الامتناع؛ ويقال: أقاموا في داخل الحصن أي: أنهم إنْ هاجمهم الأعداء؛ يمتنعون عليهم؛ ولا يستطيعون الوصول إليهم. ويقول الحق سبحانه: {والمحصنات مِنَ النساء...} [النساء: 24].
أي: المُمْتنعات عن عملية الفجور؛ وهُنَّ الحرائر.
وأيضًا يقول الحق سبحانه: {والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91].
أي: التي أحكمتْ صيانة عِفَّتها، وهي السيدة مريم البتول عليها السلام، وهكذا نجد مادة حصَن تفيد الامتناع.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ...}. ونلحظ أن هذا الأمر الذي تحدث عنه يوسف عليه السلام خارج عن تأويل الرُّؤيا؛ لأن ما احتوته رُؤيا الملك هو سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سِمَانٍ؛ وسبع سُنبلات خُضْر وأُخَر يابسات.
وأنهى يوسف عليه السلام تأويل الرُّؤيا، وبعد ذلك جاء بحكم العقل على الأمور؛ حيث يعود الخِصْب العادي ليعطيهم مثلما كان يعطيهم من قبل ذلك.
وهذا يمكن أن يطلق عليه غَوْث؛ لأننا نقول أغِثْ فلانًا أي: أَعِنْ فلانًا: لأنه في حاجة للعون، والغيث ينزل من السماء لِيُنهِي الجَدْب.
وقوله: {يُغَاثُ الناس...} [يوسف: 49].
أي: يُعانون بما يأتيهم من فضل الله بالضروري من قوت يمسك عليهم الحياة.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية بقوله: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49].
أي: ما يمكن عَصْره من حبوب أو ثمار؛ مثل: السمسم، والزيتون، والعنب، والقصب، أو البلح، وأنت لن تعصر تلك الحبوب أو الثمار إلا إذا كان عندك ما يفيض عن قوت ذاتك وقوت من تعول.
وهكذا أوضح لنا الحق سبحانه أنهم سوف يُرزَقُونَ بخير يفيض عن الإغاثة؛ ولهم أن يدخروه، وما سبق في آيات الرؤيا وتأويلها هو حوار بين يوسف الصديق عليه السلام وبين ساقي الملك.
ولاحظنا كيف انتقل القرآن من لقطة عجز الحاشية عن الإفتاء في أمر الرؤيا، وتقديم الساقي طلبًا لأن يرسلوه كي يُحضِر لهم تأويل الرؤيا، ثم جاء مباشرة بالحوار بين يوسف والساقي. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}
المراد بالملك هنا: هو الملك الأكبر، وهو الريان بن الوليد الذي كان العزيز وزيرًا له، رأى في نومه لما دنا فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس: {سَبْعَ بقرات سِمَانٍ} جمع سمين وسمينة، في إثرهن سبع عجاف: أي: مهازيل، وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهنّ.
والمعنى: إني رأيت، ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة، وكذلك قوله: {يَأْكُلُهُنَّ} عبر بالمضارع للاستحضار، والعجاف جمع عجفاء، وقياس جمعه عجف؛ لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على فعال، ولكنه عدل عن القياس حملًا على سمان: {وَسَبْعَ سنبلات} معطوف على سبع بقرات.
والمراد بقوله: {خُضْرٍ} أنه قد انعقد حبها، واليابسات قد أدركت الخضر والتوت عليها حتى غلبتها، ولعل عدم التعرّض لذكر هذا في النظم القرآني للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات.
{يا أيها الملأ} خطاب للأشراف من قومه: {أَفْتُونِى في رؤياى} أي: أخبروني بحكم هذه الرؤيا: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أي: تعلمون عبارة الرؤيا، وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر: بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها.
قال الزجاج: اللام في: {للرؤيا} للتبيين، أي: إن كنتم تعبرون.
ثم بين فقال: {للرؤيا} وقيل: هو للتقوية، وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفواصل.
وجملة: {قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والأضغاث: جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام، والأحلام: جمع حلم: وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلاّ رؤيا واحدة مبالغة منهم في بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاحلام بعالمين} قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل.
وقيل: إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقًا، ولم يدّعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا.
وقيل: إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة.
{وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا} أي: من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ}، {وادّكر بعد أمة} بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهي القراءة الفصيحة، أي: تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا، وقرئ بالمعجمة، ومعنى: {بَعْدَ أُمَّةٍ}: بعد حين، ومنه: {إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} [هود: 8] أي: إلى وقت، قال ابن درستويه: والأمة لا تكون على الحين إلاّ على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: والله أعلم: وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة، والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس.
قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة.
وقرأ ابن عباس وعكرمة: {بعد أمة} بفتح الهمزة وتخفيف الميم، أي: بعد نسيان، ومنه قول الشاعر:
أمِهتُ وكنت لا أنسى حديثا ** كذاك الدهر يودي بالعقول

ويقال أمه يأمه أمها: إذا نسي.